طفولتي في سطور

 

سـألني المعلم ذات يوم و أنا في السّنوات الأولى بالصّف الإبتدائي
هل تراجع دروسك ؟ فقلت له : كل يوم سيّدي .
قال : وما لون جدران غرفتك الّتي تراجع فيها ؟ فقلت : لا لون لها بل جدران طبيعية لأنّه قال لنا ابي ذات يوم ( لا يريد أن يمحو ما رسمه البنّاء من لمسة طبيعية مادام الدَّهان يطلب غاليا ).
قال : أهذه هي محفظتك ؟ قلت : أجل و فيها كتبي و كراريسي حسب إستعمال الزّمن و لهذا لا تبدو ثقيلة نوعا ما لأنّ مقلمتي أصبح بها فقط قلم أزرق و ربع قلم الرصاص .. و حتى كرّاسي أصبح مسطرة لي . و أصبعي أصبح ممحاة لي . وجلد المحفظة السميك بزوائده من معلاق و قفل و حزام ..فهو مختصر كما ترى في هذا الكيس من البلاستيك الخفيف يا سيدي.
وقال : أريكتكم من الجلد أم من القماش ؟ فقلت : ليس لنا حاجة إلى أريكة . فضيوفنا قليلون و هم أيضا الأرض مأوى لهم و زيادة على هذا لا نستحي منهم و لا هم يستحون لأننا نفترش الأرض بدورنا حين زيارتهم .
قال : و ماذا عن سرير النّوم ؟ قلت : الأرض مفرشي .و الّذي لم أفهمه لحد الآن هو لمّا قالت لي أمّي ( لسنا بحاجة إلى سرير لأنّه يجعل البيت ضيّقا و يعيق الحركة ).
وقال : صِف لي الطّاولة الّتي تكتب عليها ؟ فقلت : مائدة الأكل يا سيدي ، إن لم تكن مشغولة و إن كانت مشغولة فالأرض مفرشي و أحيانا أستعين بركبتاي .
فقال : و ماذا عن الكرسي ؟ فقلت : ليس لي حاجة له مادمتُ أفترش الأرض.
فقال : وهل غرفتك فيها الإنارة الكافية ؟ و هنا تأوهت و قلت له : أنا مضطر أن أقوم بكل واجباتي قبل الغروب يا سيّدي و هذا منذ أن قُطِع علينا التّيار من طرف جارنا لسبب أجهله ..أمّا ما تأخر من واجب فالشّمعة كانت تعينني بضوئها الضّعيف .
قال : وهل تلفازكم ملوّن أم بدون ألوان ؟ قلت : و ماذا نفعل به ؟!. و حينها سألته : هل الشّمعة تَفِي بغرضها لو إشترينا تلفازا يا سيّدي ؟ .أجهلُ الجواب يا سيّدي لأن مادّة التّكنولوجيا لا ندرسها حتّى السّنة المُقبلة . فردَّ عليَّ المعلم بهزّه لرأسه بالنّفي و بإبتسامة فهمتُ منها أنّ الشّمعة لا تعوض الكهرباء .
وقال : هل تعلّقون شيئا على الجدران ؟ قلت : آه نعم ، نعلِّق صورة عليها آية الكرسي و لهذا حفظتها مبكّرا . كما نعلّق المعاطف و السّراويل و أكوام القشّ و الأفرشة لأنّ بيتنا يخلو من خزائن و رفوف و مكاتب .
و أردفتُ قائلا كما نعلق القدور و الفناجين و الأطباق . لأنّه ليس لنا مطبخ و لا لوازمه. وحتّى الماء نجلبه من النّهر القريبة منّا بحوالي كيلومتر و أمّي تغسل الأواني القليلة بالقرب منّي فكثيرا ما كانت تبلّل كراريسي.
قال : كم وجبة لك في اليوم ؟ قلت : وجبتين خفيفتين .أكثرهما خبز شعير أو قمح و كثيرا ما يكون الكسكسي مع مشروب اللّبن .و كنت أفرح حين تطرح لنا الشّجرة زيتونا تصنع منه أمي لنا زيتا لذيذا و حبات زيتون سوداء مملَّحة كنتُ أجلبها معي مع قليل من التّين المجفّف قبل أن تفتح المدرسة أبواب مطعمها .
قال : وماذا عن اللُّمْجة ؟ قلت : لا أدري ما هي.
قال : وماذا عن فطور الصّباح ؟ قلت : أحيانا قهوة فقط و أحيانا حليبا إذا توفّر .
ثمّ سألني قائلا : كم مرّة تغتسل في الأسبوع ؟ قلت له : كما عَلَمْتَني يا سيّدي . و الغريب يا سيّدي أنّ الحِكمة تقول : الوقاية خير من العلاج و لكنّها لم تنطبق عليَّ . حيث كلّما اغتسلتُ كلّما كان المرض نصيبي . و ربّما عرفتُ الجواب من أبي حين قال لأمّي : علينا أن نُرسِل هذا الولد إلى الحمام فهنا القش و الأواني و الأبواب شبه مفتوحة و الدفء ناقصا.
وقال : هل لبيتكم طوابق ؟ قلت : لا .
قال : و هل يرهقك الطّريق للمجيء مشيا إلى هنا ؟ قلت له : الله يعلم بحالي يا سيّدي و أنا الآن تعودت على المشي و اعتبرها رياضة مفروضة في حالة إنعدام النّقل . و حتّى الحمار إقتصر على جلب الماء من كثرة الطّلب عليه .
ثم قال : هل تُعاني من مرض ؟ قلت : ليس بي مرض معدي و لكن فقط أُعاني من سيلان في الأنف بسبب الحمام و تقرحات بقدمي بسبب المشي و إنتفاخ بيدي بسبب البرد و إصفرار بأسناني بسبب ماء النّهر و إنسداد بمناخيري بسبب دخّان الشّموع والحساسية بسبب سقف الزّنك الّذي يقطر منه بخار الماء .
و قال : و ماذا عن جيرانكم ؟ قلت : ماشاء الله عليهم . لا نراهم إلاّ عند الغروب لِوَمْضَة من الوقت ، فنتبادل تحية اللّقاء حينها فتحيّة الفراق بعدها مباشرة لأنّ لا مجال للكلام و الظلام لا يرحم و الحيوانات يجب ان تستقرَّ في أماكنها على ضوء الشّفق و الإنارة العمومية لا توجد مادامت الشوارع غائبة .
قال : هل في بيتكم آلات تساعدكم و تعوضّكم التّعب ؟ قلت : عاشت أمّي هي الغسّالة و هي المكواة و هي آلة الخياطة و هي المخبزة و هي الفرن و هي الكل في الكل .
و هنا إستوقفني المعلم قائلا و عشتَ أنتَ رمزا للنظال  طبيب زمانك إلتَهمتَ دروسَك من حياتك فلكَ التَّجاربُ على الصِّعاب فكيف الآن الصّعاب تأتيكَ ! . و عرفتُ الآن يا بني أنّ بيتكم هو غرفة واحدة و عرفتُ أنّ أبيك رحل عنكم و عرفتُ أنّ دوامَ الحالِ مِنَ المُحالِ.. نعم دوام الحال من المحال .

هناك 9 تعليقات :

  1. من الامور المهمة فى حياتنا هى النظافة لانها تقى الانسان من الامراض وتجعلنا نعيش فى جو صحى ونجد فىالاونة الاخيرة انتشار التنظيف بالبخار وبالفعل اثبت فعاليته ويعتقد بعض الناس ان له اضرار اكثر من الفوائد ولكن مع العلم اثبت انه من اهم امور النظافة فى ازالة الدهون والاوساخ لذلك فانشركة تنظيف كنب في الشارقةجاءت لكم بمفاجأة وهى خدمة التنظيف بالبخار باحدث الاجهزة لنخدم اهل الشارقة
    شركة تنظيف سجادبالشارقة
    و
    شركة تنظيف موكيت بالشارقة
    و
    شركة تنظيف ستائر بالشارقة

    ردحذف

Recommend on Google