لماذا لا تتم إعادة تفسير القرآن الكريم

لماذا لا تتم إعادة تفسير القرآن الكريم

لماذا لا تتم إعادة تفسير القرآن الكريم ؟

قد يجد البعض صعوبة في هضم علامة الاستفهام السابقة وربما لو تمت إعادة صياغة السؤال بحيث يصبح .. لماذا لا يقوم العلماء المختصون والمؤهلون وفق شروط مدارس  تفسير القرآن الثلاثة ( مدرسة التفسير بالمأثور , مدرسة التفسير بالمعقول , مدرسة ثالثة تجمع بين المأثور والمعقول ) بالعمل على إعادة الاجتهاد في تفسير القرآن بلغة العصر مع عدم المساس بالثوابت وبقاء تفسيره بعيداً عن فلسفة العقل البشري  أو التعامل مع القرآن  الكريم على أساس كونه مجرد وثيقة تاريخية أو تحويله إلى بحث علمي , بل العمل على ربط اكتشافات العصر الحديث والتي ساهمت في الوصول إلى حقائق لم تكن موجودة في كتب التفاسير وتساعد على تصحيح الكثير من المعلومات التي أجتهد فيها السلف ثم أثبت البحث العلمي والتاريخي ما هو أكثر دقة منها وأقرب إلى  الحقيقة والعقل !

إن هذا التساؤل ليس هو الأول وقد قام بطرحه ومناقشته المختصون من العلماء وكان الهدف من إعادة تفسير القرآن هو تجديد أصول الفقه كما دعا إلى ذلك المفكر الإسلامي الدكتور رضوان السيد في حوار نشر له في صحيفة الجزيرة بتاريخ 16 /2008/10م حيث طالب بإعادة تفسير القرآن تفسيراً يحوي رؤى جديدة تماشياً مع العصر لكن بشروط الاستناد على الخطاب الشرعي انطلاقاً من قدسية النص وصلاحيته لكل زمان ومكان في مقابل عدم قدسية التفاسير وإمكانية البحث عن أفضل منها . وتلا  هذا الحوار , حوار آخر مع الدكتور العبيكان في نفس الجريدة بتاريخ 2008/11/21م حيث قال " القرآن في الحقيقة نزل لكل جيل وليس لجيل دون جيل، ولكن التفسير بالرأي له شروط وقد قررها الإمام ابن الأثير في مقدمة جامع الأصول حيث أتى بضوابط لجواز التفسير بالرأي وهي أن يكون المفسر عالماً بالقرآن وتفسير الآيات بعضها لبعض، وكذلك بتفسير القرآن بالسنة، ومطلعاً على كلام الصحابة والتابعين، وعارفاً بقواعد اللغة العربية وفاهماً لها، عندها يستطيع أن يفسر القرآن بالرأي حتى لو لم يسبق إلى هذا التفسير " وتطرق في حديثه إلى مدارس التفسير الثلاثة وأهمية عدم إهمال الإرث الإسلامي لأن ذلك يقتضي بعدم الأخذ بآراء الصحابة والتابعين والسلف.

 ما دعاني إلى إعادة إحياء هذا التساؤل ليس من باب الخوض في تجديد أصول الفقه وإنما لتجديد بعض الحقائق التي وردت في القرآن الكريم وتسبب تفسيرها بحدوث لبس في العصر الحديث  , ولضرب مثال على ذلك سوف أستعين بكتاب " فك أسرار ذي القرنين ( اخناتون ) ويأجوج وماجوج " للمؤلف - حمدي بن حمزة الصريصري الجهني – حيث توصل من خلال البحث المضني إلى عدم الاتفاق مع التفسيرات التي وردت في بعض التفاسير وبعض الكتب فيما يختص بذي القرنين ويأجوج ومأجوج , وهو يدعوا إلى تغييرها أينما وجدت حفاظا على مصداقية القرآن الكريم وحتى لا تتناقض بعض الحقائق القرآنية في تفسير بعض القصص القرآني مع الوقائع والحقائق الفعلية التي  تم اكتشافها وتوثيقها تاريخاً كما بين ذلك في مقدمة كتابه .

وفي هذا المقال سوف أقوم بذكر بعض الحقائق التي وردت في الكتاب والتي تفتح ثغرة تفكير على هيئة ( لماذا لا تتم إعادة تفسير القرآن ) خصوصاً وأن هذه الحقائق مازلت تٌقدم في المناهج الدراسية وهي غير دقيقة ! وربما تكون صادمة لمن يجهلها ! وهنا سأذكرها بشكل مختصر وبتصرف- مع الاعتذار للمؤلف- بشكل لا يخل بما جاء في الكتاب وإنما محاولة لربط الحقائق بعضها ببعض ودون الخوض في كيفية وملابسات الوصول إليها وتفنيد ماهو خلافها وماجاء في كتب التفاسير  , وأترك متعة اكتشاف ذلك  ومهمة الاقتناع من عدمه لكم عبر الرجوع إلى الكتاب ومقارنته بغيره من الكتب .

 1-    إن العبارة القرآنية " يأجوج ومأجوج " الواردة في سورة الكهف والأنبياء هي في الأصل عبارة باللغة الصينية ومازالت مستخدمة عند الصينيون , وهي تعني عند ترجمتها إلى العربية (سكان قارة آسيا وسكان قارة الخيل ) 

-      يأجوج تعني ( سكان قارة آسيا ) وهم سكان بعض الدول الآسيوية التي كانت مجاورة للصين من الجهة الشرقية والجهة الشمالية وهم ( اليابانيون , الكوريون , المنشوريون , سكان سيبريا )

-     مأجوج تعني ( سكان قارة الخيل ) وهم  سكان مجموعة سيبيريا وبعض دول آسيا ودول تطل على البحر الأسود ومجموعة منغوليا .

-    إذاً " يأجوج ومأجوج " تعني سكان قارة آسيا وسكان قارة الخيل , وسكان تلك المناطق تتشابه صفاتهم مع ما أخبر به رسولنا الكريم عليه أفضل الصلاة والتسليم (يخرج يأجوج ومأجوج عراض الوجوه صغار العيون صهب من كل حدب ينسلون كأن وجوههم المجان المطرقة )  

-    عبارة " يأجوج ومأجوج " لم تكن العرب على علم بها وقت البعثة النبوية بمعنى أنها لم تكن متداولة بينهم ولم يكن لها أصل في اللغة العربية والوصول إلى معرفة جملة " يأجوج ومأجوج " الصينية بعد ترجمتها يحسم الجدل الذي ظل محتدماً لمئات السنين حول ماهية " يأجوج ومأجوج " وديارهم , ومع الوصول إلى هذا المعنى إلا أن هذه الحقيقة مازالت شبه غائبة عن المسلمين وغير موجودة في المناهج الدراسية التي مازلت حائرة في أمر" يأجوج ومأجوج " وغير قادرة على شرحها كما يجب  - وربما- يذهب بعض المعلمين  في تفسيرها إلى الجانب البعيد عن العقل والذي يشبه إلى حداً ما الأسطورة كما تم حقن عقولنا بها عندما كنا تلاميذ حيث تم تصوير " يأجوج وماجوج " على أنهم قوم يعيشون تحت الأرض وهم يحفرون الردم الذي بناه ذي القرنين وعند قراءة سورة الكهف ينهار  الردم عليهم ويعودون إلى الحفر حتى يأتي يوم جمعة لا تُقرأ فيه سورة الكهف فيخرجون ! وطول الواحد منهم نصف الرجل المربوع ولهم مخالب في مواضع الأظفار وأضراس وأنياب السباع وأحناك كأحناك الإبل ولكل واحد منهم أذنان عظيمتان يتلحف بواحدة ويفترش الأخرى ! 

 تلك الرواية التي ليس لها أصل مازالت في الأذهان وهي قابلة لتصديق أكثر من المعنى الحقيقي الذي توصل إليه المؤلف , وما جعلني أرجح كفة سيطرة الأسطورة على الحقيقة هي عدم اقتناع أحد معلمي مادة التفسير بسبب عدم وجود هذا التفسير الجديد في كتب التفاسير المعروفة مثل " أبن كثير " إضافة إلى أن القرآن قد نزل بلسان عربي فكيف يحتوي على عبارة صينية ! وقد ذهب المؤلف بأن هذا الأمر هو نوع من أنواع الإعجاز  وإلا كيف يُفسر استخدام ذات العبارة في الصين منذ القدم وحتى الآن ! 

كما أن القرآن الكريم احتوى على أسماء ليست عربية وهي في الأصل أعجمية من فارسية وسريانية وعبرية ويونانية وحبشية من أمثال الكلمات التالية : أباريق , أبراهيم , استبرق , إنجيل , فرعون , وغيرها من الكلمات وهذا الأمر لا يتناقض مع قوله تعالى (بلسان عربي مبين ) وشرح ذلك يطول ولكن ممكن أن يختصر في أن التداخل والاشتراك بين اللغات في بعض الكلمات , امر شائع ومعروف ومألوف وهو أمر قد قرره أهل علم اللغات قديماً وحديثاً ولو تتبعنا الألفاظ المعربة التي وردت في القرآن لوجدنا أن مجموعها لا يساوي شيئاً قياساً بما تضمنه القرآن من كلام العرب ولسانهم والقليل النادر لاحكم له ولا يقاس عليه.ليصبح اكتشاف المؤلف هو الأقرب إلى العقل والتصديق !

2-   ذي القرنين الذي ورد ذكره في سورة الكهف هو اخناتون الملك الفرعون الذي  أصبح الرسول المبعوث من لدن الله للشعبين المصري والصيني والذي اختفى من مصر واستمر اختفائه سراً حير البشرية ليأتي القرآن ويكشف هذا سر من لحظة اختفائه إلى وصوله لمغرب الشمس ( جزر المالديف ) ومطلع الشمس ( جمهورية كيريباتي ) وبلاد مابين السدين( الصين ) ثم يحدث تطابق بين ماجاء به القرآن الكريم والمخطوطات والنقوشات الفرعونية بعد قيام علماء الآثار بفك شفرة اللغة الهيروغليفية – لغة المصريون القدماء – ودون علمهم بقصة ذي القرنين الوارد ذكرها في القرآن ! واخناتون هو أبن أمنحوتب الثالث وهو الفرعون الذي غرق في عهد موسى عليه السلام وأمه كانت هي المرأة التي ضرب الله مثلا في إيمانها  قال تعالى ( رب ابني لي عندك بيتاً في الجنة ونجني من فرعون وعمله ونجني من القوم الظالمين ) وقد ذكر في بعض كتب التفسير أنها آسيا بنت مزاحم , وهو قول يحتاج إلى مزيد من التحقيق والتثبت من قبل علماء التفسير والسنة بالنسبة للاسم حيث أن المرأة الوحيدة المؤمنة التي كانت زوجة لفرعون هي " تي " والدة اخناتون ذي القرنين وهي امرأة فرعون الوحيدة التي كانت مؤمنة بعقيدة التوحيد في جميع التاريخ الفرعوني الذي كان مجهول ولم يتضح إلا بعد دراسة التاريخ الفرعوني  في العصر الحديث إضافة إلى أن أسم ( آسيا بنت مزاحم ) عربي وهو مختلف عن اللغة الهيروغليفية , لغة المصريين القدماء الذين لم يكن لهم احتكاك بالجزيرة العربية  . 

كما أن ذي القرنين هو الرجل المؤمن من آل فرعون الذي كان يكتم إيمانه والذي جاء ذكره في سورة غافر ابتداء من الآية (27) وحتى  الآية (45)  وعند رجوعك إلى الآيات وتدبرها سوف تلاحظ بأن رأي الرجل الصالح كان يتسم بالشجاعة والجرأة كما في قوله تعالى ( وقال رجل مؤمن من آل فرعون يكتم إيمانه أتقتلون رجلاً أن يقول ربي الله وقد جاءكم بالبيانات من ربكم وإن يك كاذباً فعليه كذبه وإن يك صادقاً  يصبكم بعض الذي يعدكم إن الله لا يهدي من هو مسرف كذاب ) كما أن خطابه يتسم بأسلوب المرسلين من الله عز وجل قال تعالى ( ويا قوم إني أخاف عليكم يوم التناد<32> يوم تولون مدبرين مالكم من الله من عاصم ومن يضلل الله فما له من هاد ) والسؤال الملح هنا, كيف يتجرأ هذا الرجل الصالح على هذه الخطاب الشديد في بلاط أعظم طاغية في تاريخ البشرية , فرعون الذي أدعى الألوهية دون أن ينزل به أشد أنواع العقاب! إلا إذا كان شخص مقرب وعزيز عليه ! وهذا الخطاب ينفي القول بأن ذي القرنين هو الاسكندر  لأن ذي القرنين كان مؤمناً والاسكندر المقدوني  كان وثنياً فالأدلة والشواهد تدل على أن الاسكندر عاش في فترة ماقبل السيد المسيح عليه السلام " القرن الرابع قبل الميلاد " وهذا يعني أن أوربا بما فيها اليونان ومقدونيا بلد الاسكندر لم تكن تعرف أية ديانة سماوية فالدين المسيحي كان أول دين سماوي يدخل أوربا .

فاصلة : جرب أن تسأل الشخص القريب منك الآن عن يأجوج ومأجوج وعن ذي القرنين وعن امرأة فرعون ؟ واستمع إلى الإجابات ! ألا تشعر بعد استعراض هذه الحقائق التي تعد غيض من فيض بأننا بحاجة إلى تصحيح ! ولماذا لا تُصحح ! أليس من الأولى أن يأتلف أهل الاختصاص من علماء المسلمين حول مهمة الاجتهاد لإعادة تفسير القرآن بلغة هذا العصر  ! 

بقلم صالح التويجري

نشر في بوزبال و الفكر , كشف الدين