إنها
السابعة و النصف صباحا...تلألأت أشعة الشمس الخفية في أعالي السماء الصافية ،
فاستطلعت الأفق ثم انحدرت للهاوية ، و انسابت لتسطر سطورها عبر فتحات الشباك
الصغيرة ، فتنعكس بنورها على جفونه المظلمة ، فتحها فتحا فانفتحت انفتاحا ،تحسس
اليقظة فضاعت أحلام ...و أحلام اليقظة، و كان اصطدامه بالواقع المرير محبطا، فالهم
الذي يراوده ما زال يطارده ،،، لا سبيل للانفلات إلا في الممات ... و لعل أكثر ما
يشوش أعصابه في ذاك الآن...هو ما سيلقاه بعد هنيهات من الزمن حيث سيكون على موعد
مع الامتحان النهائي ، و هاجس الخوف و التخوف يعمي بصره و يغشي بصيرته ، ما قوله
إن رسب و هو الذي أفقر أبواه بمصاريف الدراسة و أتعابها و الأكثر من ذلك أن يخون
توقعاتهما و يجفف ماء وجهيهما ..
حاول التغاضي
عن هذه الوساوس المقهرة و أطيافها المكفهرة ، فرقص نظريه في أرجاء الغرفة ليلمح
حاسوبه المحمول الذي ألف أن يشاهد من خلاله أشرطة إباحية أو يلطِّف مسامعه بموسيقى
متفسخة ، ما يضفي لروتين حياته المملة نوعا من البهجة المزيفة، و هو الذي فوَّت
هدى الله ليتبع لهو الشيطان ، كما كان الحال في الليلة المنقضية و قد تذكر خواطرها
المشحونة باللذات الفانية ،ليحس بندم و استنفار شديدين ، فاستعد لمفارقة فراشه البالي
، و لكن الثقل الساري في جسده سريان الدم في الوريد قد أهلك ركبتيه و أثقل ساقيه ،
و صعوبة السير لم تتلاشى إلا بعيد خطوات مثبتة ، فجهز فطوره المتواضع ثم أجهز عليه ، و ما هي إلا بضع لقمات من الخبز
الأسمر المزيت حتى استثاره غضب فرعوني
ليقلب المائدة رأسا على عقب .
انعكاس
لا إرادي دال على مدى عظمة المعاناة النفسية المتسترة و العواطف الجياشة المكبلة
بعقال الماضي قبل الحاضر أما استشراف المستقبل المضبب فيجعل من الحياة جحيما
حقيقيا لا يعذب فيه الكافر إلا بنار اليأس .... و اليأس.
استجمع "المهدي" أعصابه، ليغادر مقر سكناه و في
طريقه للكلية يتفادى النظر لأحد كي لا يُنظر إليه، ترمقه شارد الذهن كذلك يكون لما
يذاكر دروسه، كلما حاول التركيز إلا و تشتت باله في أرجاء وجدانه. فلم يكن ينتظر
الشيء الكثير من مسيرته الجامعية رغم إبقائه عن طموح التصدي لمضعفيه و لو أنه من
المستضعفين و قد حمل على كاهله كل الآمال
حين ارتمى على مقعده في قاعة الكرامة و المهانة، و ورقة الإجابة نصب عينيه و كم
تمنى لو تساقط عليه وحي المعرفة و ما تساقطت عليه سوى تلك الصور الخلاعية التي
طبعت مخيلته ، فتمعن لوهلة في القلم الذي يداعب راحة يده ، فرمى به ...كما رمى به
القدر في سافلة عمق أعماق حضيض الحضيض .
بقلم رضوان العوينا